و اذا رثى بكى المرثيى بطل لغصون وهديل الطيور:
لكل شخص هزة الغض الندي غب البكاء ورثة المكاء
وهو يشخص الطبيعة في شعره ويخلع عليها صفات الإنسان الجسمية والنفسية العاطفية بل يخلع عليها ذات نفسه فإذا راى النسيم يعبث بالغصون على شاطئي النهر فتتقارب وتباعد تداعت إلى مخيلته صورة العين الزرقاء الجميلة يحف بها هدبها فتنغمض وتنفتح:
وغدت تحف به الغصون كأنها هدب يحف بمقلة زرقاء
وفي شعره من التأملات ومناجاة الطبيعة وتصوير حياة الإنسان والممممممممموالنبات فيها وما يخامره أثناء سيره وتقليب نظره فيها من رهبة أو طرب أو إعجاب ما يجعله شديد الشبه بالشعر الغربي الحديث ولعل لتماثل الطبيعة والبيئة في كلا الشعرين جل السبب في ذلك.
وقد خالف ابن خفاجة أكثر الشعراء من حيث الخطة في نظم قصائده فهو يبدؤها على الأكثر في الوصف على حين أنهم يفتتحون قصائدهم بالغزل والنسيب وهو يميل في فنه الى تكلف الصناعة البديعية وابراد الفنون البيانية وقد يبالغ في ذلك فيكتظ شعره بأنواع البيان والبديع فينشا عن ذلك شيء من غموض العبارة ويزيد من هذا الغموض إكثاره أحيانا من الألفاظ الغريبة غير ان ما سلم من شعره من المبالغة في تكلف هذه الأمور سلس العبارة سهل الأسلوب حسن المناجاة للنفس الإنسانية والتأثير فيها ويمتاز بألفاظه المختارة الرشيقة وبموسيقاه العذبة الناعمة شان أكثر الشعر الأندلسي ولكن الملاحظ أن شعره كله جيد وغير مبالغ في التكلف فيه والمعتدل كثير التشبيهات والاستعارات المستمدة من الطبيعة وذلك لان معانيه كما قلنا من قبل مستمدة منها
(الحمصي,1979,ص545)
أثاره:
لابن خفاجة ديوان شعر يشغل قسما كبيرا منه مدح ابي إسحاق ابراهيم بن يوسف بن تاشفين وقد طبع في مصر ومنه نسخ خطية في عدة مكاتب في أوربا.
ويشتمل هذا الديوان على قصائد المدح والعتاب والرثاء والشكوى والوصف والمداعبات والوصف هو أجود شيء فيه ووصف جمال الطبيعة يمتزج بكل فنونه.
وله نثر يغلب عليه الوصف والخيال فيقترب بذلك من الشعر ولا يختلف عنه إلا في الوزن و أسلوبه فيه من طراز أسلوب ابن العميد وبديع الزمان الهمذاني فهو يلتزم فيه السجع ويتكلف الصناعة البديعية وبعض الأدباء يستسخف نثره منتقيا منه ما هو سخيف في نظرنا حقا.
(الحمصي,1979,ص531)
الوصف عند ابن خفاجة:
ابن خفاجة شاعر الطبيعة ومصورها قد امتلأت نفسه وعينه من جمال الحياة وجمال الطبيعة فراح يبرز هذا الجمال المعنوي في صور مختلفة من الجمال اللفظي فانتقى الأساليب الصافية والألوان الزاهية ودمجها بزخرف البديع ووشاها بكثير من المجاز والتشبيه واستطاع بافتنانه ان يقلل الملل من تكراره ووقوفه عند المناظر الحسية في استحياء أشعاره أما طلاب الآراء النضجية والمعاني العميقة والأفكار الفلسفية فما أظنهم يرجعون من قراءته بطائل ولهذا الشاعر نثر سخيف يؤكد لنا مرة أخرى أن أجادة الصناعتين قلما تتفق لأحد.
قال يصف زهرة:
ومائسة تزهى وقد خلع الحيا عليها حلى حمرا وأردية خضرا
يذوب لها ريق الغمائم فضة ويجمد في أعطافها ذهبا نضرا
قال يصف نهر انساب من احد المروج تعرج مجراه وتعددت مناظره:
لله نهر سال في بطحاء! أشهى ورودا من لمى الحسناء
متعطف مثل السوار كأنه والزهر بكنفه مجر سماء
وقال يصف بلاد الأندلس:
يا أهل الأندلس لله دركم ماء وظل وانهار وأشجار
ماجنة الخلد إلا في دياركم ولو تخيرت هذى كانت اختار
وقال يصف طيفا الم به في ليلة طويلة:
يا رب ليل بات في معانقى طيف الم لظبية الوعساء
فجمعت بين رضابه وشرابه وشربت من ريق ومن صهباء
وقال يصف موقدا هبت عليه ريحا فألهبته:
لاعب تلك الريح ذاك اللهب فعاد عين الجلد ذاك اللعب
وبات في مسى الصبا يتبعه فهولها مضطرم مضطرب
وقال يصف شابا جميلا يسبح:
وصقيل إفرند الشباب بطرفه سقم وللغضب الحسام ذباب
يمشي الهوبني نخوة ولربما أطرته طورا نشوة وشباب
(الزيات,ص340,341,3
الدراسة الأدبية:
شجرة نارنج
ألا أفصح الطير,حتى خطب وخف له الغصن,حتى اضطرب
فمل طربا بين ظل ,هفا, رطيب ,وماء,هناك,انثعب
وجل في الحديقة ,أخت المنى, ودن بالمدامة ,ام الطرب
وحاملة,من بنات القنا, اماليد تحمل خضر العذب
تنوب,مورقة,عن عذار, وتضحك ,زاهرة,عن شنب
وتندى بها,في مهب الصبا, زبرجدة أثمرت بالذهب
تفاوح أنفاسها تارة وطورا تغازلها من كثب
فتبسم في حالة,عن رضا, وتنظر,آونة,عن غضب
الدراسة الأدبية للأبيات:
ان هذه لقصيدة يغلب عليها طابع ابن خفاجة في الوصف فهذه عادته فهو يقوم بوصف الطبيعة من حوله من شجر ونهر وطير والى ما هناك وهنا في قصيدته هذه فهو يصف شجرة نارنج تحضنها الطبيعة والشجرة بدورها تحضن أنواعا من الطبيعة الأصغر المختلفة.
فهو يقوم بتشخيص هذه الطبيعة ويجعلها كالإنسان تماما في حركاته وسكناته ويفعل ذلك مع كل ما تحتضنه هذه الطبيعة من حوله وفي جناتها وطياتها.
يبدأ ابن خفاجة بوصفه شجرة النارنج التي جعلت لسانه يعزف أجمل الحان الشعر ويصف فيقول:
1-لقد غنى الطير الواقف في أحضان النارنج بكل فصاحة وكأنما يخطب ويعبر واخذ يغرد بصوته العذب بين أغصانها ويتمايل فوق أغصان هذه الشجرة حتى أصبح الغصن متمايلا مع حركته بسبب الخفة التي أصابته من تمايل الطير.
2-يا أيها الطير الصغير عذب الصوت تمايل طربا وفرحا من تغريدك العذب بين ظل هذه الشجرة الرطب وبين الماء الذي اخذ يجري في مسيله.
3-فليتجول في هذه الحديقة الغناء الجميلة وحقق الأماني التي تجول في خلدك في هذه الروض ولتكن لك دينا وملجأ وملاذا لك ولطربك.
4-لقد امتلأت الحديقة الرائعة بالخضرة الفاتنة فمنها ما هي صاحبة للعود الطويل العالية والغصون الخضراء المنعشة ومنها الغصون اللينة الناعمة.
5-هذه الحديقة الغناء ملأنها الأشجار المورقة لخضراء الكبيرة والصغيرة والإزهار التي تبدو كأنها تبتسم في أحضان هذه الحديقة برائحتها المنعشة الرائعة وأريجها الفواح.
6-أشجار هذه الحديقة المورقة وأزهارها زكية الرائحة فقد امتلأت بحبات الندى اللؤلؤية التي يحملها النسيم اللطيف الرقيق كأنها حجارة كريمة لونها اخضر فاتن.
7-اما ورود هذه الروض وزهورها فهي تنشر رائحتها العطرة أحيانا ومرة أخرى تتمازج مع بعضها بعضا كأنها تتغازل فيما بينها عن قرب.
8-ان هذه الورود الجميلة والأغصان الخضراء نراها تارة مبتسمة وتارة أخرى تنظر إليها فكأنها ترمقك بكل غضب.
ان وصف ابن خفاجة هذا فيه كثير من التشبيه والتشخيص فقصيدته مليئة بالتشابيه والتشخيص للطبيعة التي وصفها وجعلها مليئة بالحياة وتنبض بها.
فهو يجعل الطير كالإنسان في فصاحته وخطبته ويجعله مقنعا حذقا.وتارة أخرى يجعل أشجار وأزهار الحديقة تضحك كالإنسان وتفرح وتظهر بياض أسنانها ولمعانها.
ومرة أخرى يجعل هذه الأزهار تغضب تارة وتفرح تارة أخرى فهي تشعر كما يشعر الإنسان .
وفي شعر ابن خفاجة الكثير من السجع فهو قد بدا قصيدته بالتصريع:
ألا أفصح الطير,حتى خطب وخف له الغصن,حتى اضطرب
أما بالنسبة لألفاظه وتراكيبه فان التراكيب التي اختارها ابن خفاجة قد جاءت قوية جزلة أعطت القصيدة بعض المعاني التي ربما اخفت قلة المعاني وسطحيتها التي نجدها في أشعاره وقصائده ومثل هذه الألفاظ:
اماليد:فهي الناعمة ومفردها املود :اللين من الغصن ولكنها لفظة قوية جزلة وكذلك زبرجدة:حجارة كريمة خضراء اللون
وكانت ألفاظه كذلك مناسبة للموضوع تماما ولامسته بكل لطف ورقة وجعلت قصيده ذات طابع رائع وجميل وربما سهل أحيانا وذلك مثل مورثة وزاهرة و عذار.
أما تراكيب هذه القصيدة فقد تراوحت مابين طول وقصر بحسب تأديتها للمعنى في القصيدة من مثل ألا أفصح الطير((قصيرة))
فمن طربا بين ظل ((غلب عليها طابع القصر))
وكانت تراكيبه مؤدية لغرض القصيدة ومناسبة لها وموزعة بشكل منمق في أبيات هذه القصيدة لأنه كما ذكرنا سابقا فان ابن خفاجة يعني كثيرا بزخرف القصيدة ويملؤها سجعا وبديعا.
إما بالنسبة للتشابيه
أوضح الطير:شبه الطير بالإنسان الفصيح في كلامه القوي حذف المشبه منه وابقي المشبه ((الطير))ووجه الشبه(( أوضح))
وطورا تغازلها عن كثب:شبه الإزهار بالعشاق الذين يتغازلون عندما تقترب من بعضها حذف المشبه به ((الإنسان))و أبقى على المشبه ((الزهور))ووجه الشبه
فتبسم في حالة:شبه الزهور بالإنسان المبتسم
وتنظر في غضب:شبه الزهور بالإنسان الغاضب.
إن تشبيه ابن خفاجة في معظمه تشخيص فهو يجعل صفات الإنسان تنطبق تماما على الطبيعة من هو له ويصفها كأنها إنسان تماما وقد أبدع في ذلك أيضا
المراجع والمصادر:
1-الحمصي,نعيم,الرائد في الادب العربي,1979,الطبعة الثانية,دمشق,دار المأمون للتراث
2-الزيات,أحمد,تاريخ الأدب العربي, الطبعة ستة وعشرون,بيروت,دار الثقافة.
3-القباني,كرم,شعر ابن خفاجة,1951,بيروت,مطبعة المناهل.
4-ضيف,شوقي,الفن ومذاهبه في الشعر العربي,الطبعة الأولى,القاهرة,دار المعارف.
5-غازي,سيد,ديوان ابن خفاجة,1979,الطبعة الثانية,الاسكندرية,دار المعارف.
مخطط حلقة البحث:
1-العصر الذي عاش فيه الشاعر.
2-حياته وشعره.
3-كلمة في شعره.
4-أثاره.
5-الوصف عند ابن خفاجة.
6-الدراسة الأدبية.
قائمة المصادر والمراجع.